الاثنين، 19 أغسطس 2019

المدينة الفاضلة

مقالة نُشرت في صحيفة عكاظ 2/ نوفمبر/2003 م

إذا وقع الذبابُ على طعامٍ            رفعتُ يدي ونفسي تشتهيه
قالت لي صديقتي وهي تقلّبُ أوراقي الخاصة: أراكِ تكررين هذا البيت بين صفحاتك ! أكملت لها البيت الثاني  :
وتجتنبُ الأسودُ ورودَ ماءٍ           إذا كان الكلابُ ولغنَ فيه
قالت : وما يشدّكِ في هذا الأبيات؟
قلت : أشعر أنها تمثل الناسَ من حولي وتجرني إلى مأساتي التي طالما حاولت الهروب منها ! فأنا ياصديقتي حبيبة وفيّة وصديقة صدوق .. أعشق بكل ما فيّ  .. وأخلص لمن أحب .. ودائمًا أصدم بالواقع ! صُفعتُ من أعز الناس ولم أتعلم ..فالناس اليوم لا يبحثون إلا عن المصالح .. إن  وجدوها فيك فنعم الصديقة والحبيبة والزوجة أنتِ و إن لم يجدوها فبئست المرأة  .. أجد من حولي لا يعطون العطاء الذي أعطيه لا يفكرون بعقلي ولا يتعاملون بنية مثل نيتي  و أفاجأ بيد الزمن الساخنة تضرب خديّ برفق  قائلة : استيقظي أيتها النائمة ..فقد ولى زمن العطاء والنية الحسنة.. أفيقي من سباتك فنحن في إطلالة القرن الواحد والعشرين .. عصر النفاق والمادة والاتصالات عبر الأقمار الصناعية .. انتهى زمن الطيبة والفطرة .. أما آن لك أن تفيقي ؟!!
أستيقظُ وكأني بنفسي ترغمني على البدء من جديد .. على مجاراة الأقمار الصناعية والتصنع معها و إذا بي في غمرة التقدم النفسي وغمرة التمثيل والتصنع أعود إلى خيالي السارح و إلى البحث عن مدينة أفلاطون .
أفلا تخبريني يا عزيزتي أين أجد المدينة الفاضلة ؟
ضحكت صديقتي ملء شدقيها وقالت: في الكتب ياصديقتي .. فهذه مدينة  خيالية من ابتكار الكاتب ولا توجد إلا على صفحات كتابه فلا مثالية ولا فضيلة و إنما هناك  الواقع .. التقنية .. الحياة ... المصالح المادة... الدهاء.. المراوغة .. إن كنتِ تحملين إحدى تلك المترادفات  فأنتِ محبّة محبوبة وصديقة صدوق وزوجة مخلصة  ورفيقة الدرب والعمر .. و إن  أخفقتِ  في دور من تلك الأدوار أو لم تكن لديكِ القدرة على امتلاك أي واحدة فعليكِ السلام ورحمة الله .. اجلسي على أنقاض مدينتك الفاضلة وموتي أو عيشي على أمل أن تجدي إنسانًا منقرضًا ينفض عن جسده التراب .. يخرج من تحت الأنقاض يبحث عن نصفه الآخر  أو عن رفيق منقرض مثله ولكن تأكدي ياعزيزتي أنكما ستكونان من الأصناف النادرة تنتهي تلك القيم بموتكما لأنها لا حياة لها في عصر الإنتر ....نت !